شبكة قدس الإخبارية

 معسكر التطبيع والمسّؤوليّة الفِلسطينيّة

Almawqea2020-08-17-11-11-14-783556
خالد بركات

مُنذ هزيمة العام 1967 ورحيل الرئيس جمال عبد الناصر، يواصل النظام العربي الرّسمي تفككه وانهياره أمام تقدم المشروع الإمبريالي الصهيونيّ الرّجعيّ في المنطقة حتى بدأنا نرى هذه الحقيقة تسير اليوم في وتيرة عاليّة وغير مسبوقة، إذ يلهث أقطاب هذا النظام برعاية الولايات المتحدة نحو التطبيع العلني الشامل مع الكيّان الصهيوني وصار يرى في منظومة الاستعمار والعبودية طوق النجاة الوحيد لوجوده والطريق الآمن نحو رضى البيت الأبيض.

فالعلاقة القائمة بين " اسرائيل " والنظام العربيّ الرجعيّ، في الجوهر، هي علاقة المصير الواحد المشترك المُعسكر الواحد.

لقد فَرَطت مَسبحة التطبيع الرّسمي (الاسم الرّديف للهزيمة والعلاقات العلنية مع الكيان الصهيوني) مُنذ توقيع اتفاقيات كامب ديفيد 1979 واتفاقيتي أوسلو 1993 ووادي عَربَة 1994 غير أن العلاقات والتعاون بين هذه الأطراف كُلهّا برعاية الامبريالية الامريكية وبريطانيا وفرنسا وغيرها تعود إلى عقود وسنوات سبقتها، لا أحد يصدق ان علاقة النظام الأردني بدأت مع " اسرائيل" في العام 1994 مثلاً.

وليّست صُدفة ان تُحدد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، في زمن غسّان كنفاني، مُعسكر الأعداء والأصدقاء في وثيقتها التّاريخية المعروفة بـ " الاستراتيجية السيّاسية والتنظيميّة – شباط 1969 " حيث إعتبرت أن قوى الإمبريالية والصهيونية والرجعية يشكلون معاً حلِفًا مُقدسًا واحدًا سيَعمل على تصفية قضية فلسطين والحقوق العربية، ولا بد من مجابهة كل هذا المعسكر المعادي وكشف مخططاته وأهدافه.

يكمُن الضعف الأساسيّ في الموقف الفلسطينيّ الرّسمي بشأن مواجهة اتفاق دولة الإمارات وكيّان الاحتلال الصهيوني في غياب مصداقية السلطة الفلسطينية وفي سقوط نهج التطبيع والفساد الفلسطيني الرسمي الذي أسّست له القيادة المُتنفذة في منظمة التحرير. إنه اليوم في العراء تماماً.. إذ لا بد من إتساق وانسجام بين الرسالة والرسول.  

هل ننسى اليوم كيف ذهبت مجموعة من الفلسطينيين، في السر، وبتفويض من ياسر عرفات إلى إتفاق أوسلو ومن خلف ظهر الشعب الفلسطيني ومؤسساته؟ كيف استنقعت " القيادة " طوال ريع قرن وأكثر في وحل التنسيق الأمنيّ مع العدوّ وفي مزبلة التطبيع.

وهناك مؤسسات ولجان وفصائل في المنظمة لا دور لها إلا التطبيع وتبرير الفساد والهزيمة. وإذا كانت قيّادة المنظمة ترفض التطبيع حقًا فلماذا إذن لا تزال باقية على ما يسمى لجنة التواصل مع المجتمع الصهيوني ونهج التنسيق الأمني وعلاقاتها المشبوهة مع وكالة المخابرات الامريكية المركزية السي آي إيه ؟

نظام الإمارات الرّجعي الظلامي، على وساخته، ليس هو صاحب الدور المركزي في شرذمة وتفكك " حركة فتح " وفي تدمير مؤسسات "م.ت.ف" وضرب كل ركائز المشروع الوطني الفلسطيني التحرري وحشره في مشروع حكم الاداري الذاتي؟ هل نظام بن زايد هو من أنتج محمد دحلان وفريقه أم ورثه من مرحلة سابقة؟ وكان دحلان شريك أساسي في منظومة أوسلو والتعاون الاستخباري والأمني مع العدوّ، وهو مثل محمود عباس وجبريل الرجوب جاء من الجذر الفاسد ذاته، والكل يتلطى خلف صورة ياسر عرفات ويعتبر نفسه وريثه الشرعي الوحيد

لقد واصلت قيادة م.ت.ف سياسة المفاوضات والعبث والتطبيع ومارست أشكال القمع والتغول على الحقوق الفلسطينية ودافعت عن هذا النهج الفاسد وبررته، وهي التي تتحمل المسؤولية عن إنتاج ما يُسمى " الانقسام " بين غزّة والضفة وليست مشيخات قطر والسعودية وعمان ولا أنظمة مصر وتركيا فقط..هذه كلها مزبلة واحدة وان اختلفت وتعددت ألوان أكياس القُمامة في الحاوية الأمريكية ذاتها.

السلطة الفلسطينية التي تُمثّل مصالح 1% ومصالح طبقة البنوك والمال و "شركات السلام الاقتصادي" في الضفة المحتلة أصبحت جُزءٌ لا يتجزأ من تركيبة النظام العربيّ الرّسمي المهترئ وتيّار الهزيمة والاستسلام في المنطقة وهي الطرف الأكثر ضَعفًا فيه والجسر الذي داست ومرّت فوقه كل مشاريع الخيانة والتطبيع.

وماذا يمكن أن نقول نحن الفلسطينيون لشهداء تونس ومصر وسوريا ولبنان والكويت والامارات والسودان والأردن وغيرها وغيرها الذين قاتلوا من أجل تحرير فلسطين ولم يقاتلوا من أجل سلطة حكم ذاتي مسخ تحت بساطير الاحتلال؟ أين المسؤولية الوطنية الفلسطينية؟

إن المطلوب اليوم من قوى المقاومة الفلسطينية بشكل خاص ليّس الذهاب إلى مقر المقاطعة في رام الله للاصطفاف خلف قيادة فلسطينية فاسدة باعت شعبها وحقوقه في المزاد العلني، بل المطلوب في هذه اللحظة التاريخية مُحاسبتها على جرائمها التي إرتكبتها بحق الشعب الفلسطيني وبحق الأمة العربية وأحرار العالم، وان من يشارك في تلميع هذه القيادة يتواطيء معها ويشارك في الجريمة.

هذا النظام العربي الآفل حتمًا ومن يرعاه في تل ابيب وواشنطن ومعه سلطة رام الله هو كل معسكر العدوّ الذي يريد ذبح قضية فلسطين حتى لو إختلف على طريقة الذبح وشكل المسلخ والسكين.